دبلوماسية القاهرة تحبط مخططات حميدتي وآبي أحمد

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 14/أكتوبر/2024 - 01:28 م 10/14/2024 1:28:07 PM

بظهور مرتبك، وبلغة المهزوم، ظهر قائد مبليشيا الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، خلال ظهوره بمقطع فيديو الأربعاء الماضي، اتهم فيه مصر بالمشاركة في الضربات الجوية على قواته في منطقة جبل موية وسط السودان.. وأثارت كلمة حميدتي ـ التي امتدت إلى نحو أربعين دقيقة ـ كثيرًا هو الجدل بين رواد العالم الافتراضي في فضاء وادي النيل، السودان ومصر.. فبدأ بعض الناشطين كتابة الملاحظات على خطابه، وكيف ظهر فيه.. إذ قال أحدهم، إن قائد الدعم السريع ظهر مرتبكًا بشكل كبير.. وأشار آخرون إلى أنه خارج الخرطوم في إحدى الدول التي تدعمه، واستدلوا على ذلك بتورطه بكلمة (أحييكم من هنا).. ولاحظ ناشطون أن مفردات خطابه توحي بالشعور بالهزيمة، وكذلك عدم مساندته من داعميه في الإقليم، وأن الكلمة مُتخبطة وتعرضت للمونتاج أكثر من مرة.. بينما لفت البعض الانتباه إلى أن معلوماته عن الطيران المصري مرتبكة، خصوصًا فيما يتعلق باستخدام مقاتلات سوخوي.
كتب وزير المالية وزعيم حركة العدل والمساواة السودني، جبريل إبراهيم، معلقًا بالقول، (قد لا يدري قائد المليشيا دقلو، أنه بخطابه الحزين قد نعى عمليًا ـ من حيث يدري أو لا يدري ـ مغامرته لحكم السودان، وأعلن هزيمة أوغاده، وتبرأ من جرائمهم النكراء، التي أفقدته كل شيء، ولكن بعد أن تلبسته من قمة رأسه إلى أخمص قدميه).. ورأى البعض أن اتهامات قائد ميلشيا الدعم السريع لمصر، دليل على حالة الإفلاس التي تعيشها الميلشيا، التي ارتكبت جرائم كبرى في حق أهل السودان، واستعانته بالمرتزقة من خارج البلاد، والهدف هو تفتيت السودان.. واعتبر سودانيون، أن حميدتي ألقى أسوأ خطاب له منذ بدء الحرب، مضيفًا هزائم سياسية إلى خسائره العسكرية الأخيرة، كما أنه أقر بانتهاكات قواته بصورة غير مباشرة، وهاجم الاتفاق الإطاري، محملًا إياه مسئولية الحرب، في توافق مع موقف الجيش.. كما لفت انتباه بعض المغردين، أن قائد قوات الدعم السريع أغلق خاصية التعليق على مقطع الفيديو، الذي نشره عبر حسابه على منصة إكس.
وفي كل الأحوال، فجَّر خطاب حميدتي بشأن الأوضاع السياسية والعسكرية، جدلًا في المشهد السوداني، وغضبًا مصريًا لاتهامه القاهرة بقصف قواته، ودعم الجيش السوداني بالمقاتلات، في حين يعتقد محللون أن الخطاب عكس إحباطه من التراجع العسكري والمواقف الخارجية المناهضة له.. ومن قلب السودان، يرى المحلل ورئيس تحرير صحيفة (التيار)، عثمان ميرغني، أن خطاب حميدتي أُعد على عجل، ويبدو أنه جاء رد فعل لموقف ما، قد يكون متعلقًا بمستقبله السياسي.. وعدَّ عثمان الخطاب، إعلان فشل للمشروع السياسي الذي اندلعت بسببه الحرب، وحمَّل المسئولية لقوى الحرية والتغيير، بما يعني فك الارتباط السياسي مع تحالف (تقدم)، كما أن الخطاب يُعد عمليًا، إعلان هزيمة عسكرية في الميدان، رغم الهجوم بمليون مقاتل الذي توَّعد به، ويكشف أيضًا عن انحسار القوى البشرية والإمداد التسليحي، وربما المالي أيضًا وفقًا لعثمان.. وما هجوم حميدتي على بعض الدول، إلا نتيجة لصدمة الأزمة التي يواجهها، حيث يعاني من ارتباك وانهيار، وأن الاتفاق الإطاري كان ذريعة لانقلابه الفاشل، والذي أدى لإشعال الحرب، وأصبح (وصمة) يهرب منها.
قد يكون قائد الدعم السريع تلقى رسائل مؤثرة من الخارج ومن داعميه، بأن (اللعبة انتهت)، وللولايات المتحدة ومصر دور مهم في هذا الجانب، كما يقول الباحث والمحلل السياسي، خالد سعد.. لذا، فإن التفاوض قادم لإنهاء الحرب، وفق خارطة طريق تنتهي بتعزيز قيادة الجيش الوطني للعملية السياسية في البلاد، لسنوات تزيد وتنقص، حسب مستجدات البيئة السياسية، وقدرة القيادة على إدارة المرحلة التي تلي وقف إطلاق النار، وإعادة هندسة المشهد الأمني والسياسي، وهما عنصران يتقاطعان، ولا يقل أحدهما أهمية عن الآخر.. وهذه المسألة لن تتم دون مقاومة، وتتطلب الخطوة المدعومة أمريكيًا، أن يحقق الجيش انتصارات معتبرة وسريعة في الميدان الحربي، لاستعادة رمزيته التي تعرضت لهزات مؤثرة في مشروعيته الوطنية والمهنية، وبالتالي توسيع حاضنته الاجتماعية والسياسية للمرحلة التي تلي الاتفاق.. ويرى الباحث خالد سعد، أن الجيش يحتاج إلى رديف سياسي من القوى التي أسهمت في الإطاحة بالنظام السابق أو التي كانت رديفًا له، وتجرى جهود موازية لتوحيد هذه القوى في هذا الصدد، عبر القاهرة، بعيدًا عن أي تفاهم سابق مع الدعم السريع، مثل (إعلان أديس أبابا) الموقع بين تنسيقية تحالف (تقدم) والدعم السريع.
غير أن الكاتب والمحلل السياسي، محمد لطيف، يعتقد أن خطاب قائد الدعم السريع هو الأخطر منذ بداية الحرب، وعدَّه (حالة طوارئ) و(إعلان حرب)، حيث لم يشر للمفاوضات أو السلام وإنهاء الحرب، كما وجه انتقادات مباشرة وغير مباشرة للمجتمع الدولي، بدلًا عن دوره في السلام.. وفسر الخطة (ب) التي توَّعد بها حميدتي، بأنها تعني الحرب الأهلية، بعدما اتهم الجيش باستهداف الحواضن الاجتماعية للدعم السريع في دارفور عبر القصف الجوي، بينما لا يقصف هو قوات الجيش في مناطق وجودها بمناطق حجر العسل وقري بولاية نهر النيل في شمال البلاد، التي يعتبرها مناطق حواضن للجيش!!.. وفي المقابل، رأي الصحفي حافظ كبير، تعليقًا على خطاب حميدتي، إن (المعارك المقبلة مختلفة تمامًا، وفي ظل الموجهات التي صدرت بصورة مباشرة، الرمال الساكنة ستتحرك نحو وجهات جديدة).. وسارع مسئولون في إقليم دارفور بالتعليق على الخطاب، إذ قال حاكم الإقليم، مني أركو مناوي، إن حميدتي (اعترف أن الاتفاق الإطاري وراء اندلاع الحرب.. وما قاله حذرنا منه ونصحناه هو وقوى الحرية والتغيير قبل أكثر من عامين، لكنهم لم يستبينوا نصحنا.. والآن، بدأت تظهر مفاصل المؤامرة على السودان)، ورأى، أن الحل الوحيد هو الاعتراف بالأخطاء من أجل أبناء السودان.. لكن ذلك لن يحدث، كما وصف خالد عمر يوسف، عضو المكتب القيادي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، خطاب قائد الدعم السريع بأنه تصعيد خطير في لغته ضد عدد من القوى الخارجية، في منحى يُعقد الأزمة ولا ينتج لها حلولًا.
●●●
وقبل استرسالنا في الحديث عن ردود الفعل على خطاب حميدتي، وبيانه المكتوب، والتي حرصنا أن نجعلها سودانية خالصة، حتى لا نُتهم بانحيازنا إلى مصريتنا، تعالوا نجيب على السؤال الأهم: لماذا انفجر غضب حميدتي من مصر فجأة؟.
تجنب قائد الدعم السريع العداء المباشر مع مصر طوال الأشهر الماضية، لأنه ذلك ليس من مصلحته، نظرًا لأهميتها وقوتها في المنطقة، ولذلك فإن الانتقاد الحاد الأخير للقاهرة، يحمل دلالات مهمة، أبرزها غضبه الشديد مما يحدث في أرض المعركة، خصوصًا اعتقاده بتدخل مصر لصالح الجيش، واستعداده للدخول في معارك قادمة أكثر شراسة وعنفًا.. ويرى الخبير السياسي السوداني، محمد الصالح، أنه (بجانب التدخل العسكري، فإن التحالفات الدبلوماسية الجديدة التي تقودها القاهرة مع الدول الإفريقية تثير غضب حميدتي، مع ظهور محور إقليمي جديد يضم مصر وإريتريا والصومال.. ومع نفي القاهرة ضلوعها في الحرب الدائرة بالسودان، وردها على تصريحات، حميدتي، التي اتهم فيها مصر بالمشاركة في ضربات جوية على قواته، إلا أن (خطاب حميدتي الأخير حمل تهديدات واضحة ومباشرة، قد تكون لها تبعات خطيرة في الفترة المقبلة، محليًا وإقليميًا، ومن المتوقع أن يشهد السودان تصعيدات عسكرية كبيرة من الدعم السريع والجيش، (ورد الفعل العنيف الذي يخطط له حميدتي، يحاول استباقه بقلب الرأي العام المحلي والدولي على الجيش، بإظهاره بمظهر الضعيف والعميل، الذي يستعين بدول أجنبية، مثل مصر)، متناسيًا وجود اتفاقية دفاع مشترك بين القاهرة والخرطوم، سابقة على تفجر الصراع في السودان.
توقع حميدتي، من خلال التقرب من رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ومحاولته التودد إلى رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، أن يتمكن من الانتصار محليًا وكسب القبول الإقليمي والدولي، لكن الأمور لم تسر لصالحه.. كما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، كريم أبو المجد، والمتخصص في الشأن الإفريقي، كان حميدتي يتمنى أن (يُعامل كرجل دولة، وأن يتم الاعتراف به إقليميًا ودوليًا، وأن يتخلص من لقب قائد ميلشيات، لكن هذا لم يحدث، وهو ما أثار غضبه تحديدًا تجاه مصر، بسبب تحركاتها الأخيرة سياسيًا ودبلوماسيًا في منطقة القرن الإفريقي، والتي أثرت بدورها عليه بشكل سلبي).. بالنسبة للإمارات، فزيارة الشيخ محمد بن زايد ـ رئيس البلاد ـ لمصر وحضوره حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية، تهدف لإرسال رسالة، تتمثل في أن العلاقات بين مصر والإمارات لم تتأثر رغم الاختلافات في بعض الملفات، ومنها السودان.. وأنه (لحماية مصالحها في السودان، حاولت الإمارات مساعدة حميدتي بالأسلحة والأموال، لكن يبدو في الفترة الأخيرة أنها تراجعت عن دعمه، بعد الخسائر التي لحقت بميليشياته، مقابل تعهد مصر والجيش السوداني حماية مصالحها في السودان، وهو ما أثار غضب حميدتي تجاه القاهرة).
أما بالنسبة لرئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، الذي يدعم حميدتي، فيرى أبو المجد أن (التحركات المصرية الأخيرة في القرن الإفريقي، تضعه في موقف حرج، وتزيد عزلته عن الدول المجاورة، كما تبعده عن الاستمرار في مساندة ودعم حميدتي في السودان)، بعد التقارب بين آبي أحمد وحميدتي، الذي اتضح في سبتمبر 2023، عندما توجه حميدتي، في ثاني جولة إقليمية له منذ اندلاع الحرب بين قواته والجيش السوداني، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على رأس وفد يضم عددًا من مساعديه. واستُقبل استقبالًا رسميًا من نائب رئيس الوزراء، دمقي مكونن، وآبي أحمد.. إلا أن التحركات المصرية الأخيرة أثرت سلبًا على آبي أحمد نفسه، (توجه الرئيس السيسي، قبل أيام، لزيارة عاصمة إريتريا، أسمرة، بدعوة خاصة من الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، والذي كان سابقًا من أقرب حلفاء وداعمي آبي أحمد.. واتفق الزعيمان مع الصومال على تعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية في منطقة القرن الإفريقي، وهذا سيشمل تمكين الجيش الصومالي من التصدي للإرهاب، وحماية حدودها البرية، وطرد القوات الأثيوبية من أرض الصومال).. وبشكل عام، فإن هجوم حميدتي الحاد على مصر يرجع إلى (إحساسه بتخلي حليفيه الأساسيين عنه، الإمارات وإثيوبيا، ودور القاهرة في ذلك، فضلًا عن تكبده خسائر عسكرية على الأرض).
●●●
لم يكن جميدتي يومًا ديمقراطيًا، ولم يُضبط متلبسًا بالسعي إليها، نظامًا للحكم في السودان، فبعد أن بنى إمبراطوريته العسكرية الاقتصادية الضخمة، وذاق حلاوة السلطة وبهرجة الكرسي وصوت (السارينا) التي تتقدم مواكبه والطائرات والحرس والأبهة ـ كما تقول الكاتبة السودانية، أمل محمد الحسن ـ لم يكن يريد لكل ذلك أن يمضي وينتهي ويصبح ماضيًا، بل أراد أن يتذاكى ويطأطئ للعاصفة ويلبس عمامة الديمقراطية ويكرر عبارات التغيير، حتى يلتف على الأوضاع ويأتي من باب آخر مترشحًا للرئاسة!!.. وقد كشف حميدتي بنفسه عن تلك النية فيما خرج من فلتات لسانه؛ عندما قال (سأخلع الزي العسكري وارتدي الجلباب وآتيكم عبر الانتخابات)!!.. كانت تلك هي خطته بعيدة المدى، التي حاول أن يمدد من أجلها دمج قواته لعقدين من الزمان، ثم فاوض حتى صارت عقدًا، عشر سنوات كاملة، يستغلها في الصولات والجولات وسط الإدارات الأهلية والأقاليم، مستخدمًا الأموال الهائلة التي بين يديه، ليدفع الرشاوى ويشتري الذمم بالسيارات الفارهة والأموال التي تُحمل على ظهور الشاحنات.
بنى حميدتي لنفسه دولة داخل دولة؛ انتشرت قواته في جميع المناطق الاستراتيجية، تمددت علاقاته الخارجية لتشمل روسيا والإمارات، وانشأ لنفسه استثمارات في عدد من الدول الإفريقية، ووصل به الأمر لكسر الأعراف الدبلوماسية، بالسفر إلى تشاد بعد يوم واحد من زيارة البرهان لها، في أواخر أيام علاقتهم المتوترة!!.. مشاركته في الحرب الآن، وارتكاب قواته كل تلك الجرائم، لم تجعله يتراجع خطوة واحدة، وكلما ردد في خطاباته التي يلقيها من قارة لأخرى، ويقول فيها إنه يوصي قواته بالمواطن (المواطن ثم المواطن…) يموت العشرات وهم يحاولون صد عدوان قواته في قرى بعيدة، تُسرق فيها كرامة الإنسان قبل أمواله، وتتم فيها الاعتقالات ويغيب القانون ويموت الأمل!.
كان يسعى للسلطة وهمه السلطة، ويقاتل الآن من أجل السلطة، يريد أن يحقق حلمه بالجلوس على كرسي، حتى وإن كان مصنوعًا من جماجم أبناء الشعب السوداني!.. لن تجلب الحرب الديمقراطية للسودان، ولن تجلب أي خير، وفي كل يوم تستمر فيه، تموت آمال الشعب، بعد أن مات منهم الزوج والبنت والولد، وشقت على الناس الحياة، وحاصرهم الجوع وتقطعت بهم السبل.. وعليه الآن أن ينزل رايات دعاياته الحربية الكاذبة ويتوقف عن القتال، حتى لا نفقد السودان كما نعرفه، ووقتها، سيهرب كل واحد من تحمل كل تلك الفواجع والدمار الذي حاق بالوطن، لو كانوا يفهمون حقيقةً معنى الوطن!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق