القرن الإفريقي.. اللعب فوق رقعة شطرنج

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 15/أكتوبر/2024 - 02:49 م 10/15/2024 2:49:18 PM

غداة اجتماع لـ (الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان)، تناولت بحث الجانبين المصري والسوداني عددًا من القضايا ذات الصلة بمياه حوض النيل، في إطار اختصاصها بموجب اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل الموقعة بين مصر والسودان في نوفمبر 1959، ومستجدات موقف تصديقات بعض دول الحوض على مشروع الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل.. خرج وئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، متلصصًا، كمن يسرق شيئًا لا يمتلك، وكتب على منصة X دخول اتفاقية دول حوض نهر النيل المعروفة بـ (عنتيبي) حيز التنفيذ، والتي انضمت إليها ست دول من دول الحوض، البالغ عددهم إحدى عشرة دولة، واصفًا إياها بأنها لحظة تاريخية، وتمثل تتويجًا لرحلة طويلة نحو الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل.. بينما اعتبرت مصر والسودان الاتفاقية (غير ملزمة)، وطالبتا بمراجعتها لتحقيق مزيد من التعاون والأمن المائي.
قالت القاهرة والخرطوم، في بيان مشترك، إنهما (بذلا جهودًا مكثفة ومستمرة على مدار الأعوام السابقة، لاستعادة اللُّحمة ورأب الصدع الذي تسبب فيه تبني بعض دول الحوض، لمسودة غير مستوفاة للتوافق لوثيقة ما يسمى بالاتفاق الإطاري، ولا تتسق مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة والممارسات الدولية المُثلى، بما في ذلك في التجارب الإفريقية الرائدة، مثل حوض نهر الزامبيزي والسنغال، التي تضمن استمرارية التعاون واستدامة التنمية للجميع).. وجددت الدولتان (التزامهما الكامل بالتعاون مع دول حوض النيل، في إطار المبادئ المتعارف عليها دوليًا، التي تحقق المنفعة للجميع، دون إحداث ضرر لأي من الدول)، مؤكدتين أن ما يسمى بـ (الاتفاق الإطاري للتعاون في حوض النيل) غير ملزم لأي منهما، ليس فقط لعدم انضمامهما إليه، وإنما أيضًا لمخالفته لمبادئ القانون الدولي العرفي والتعاقدي.. واعتبرت مصر والسودان (مفوضية الدول الست الناشئة عن الاتفاق الإطاري غير المكتمل، لا تمثل حوض النيل في أي حال من الأحوال)، ودعتا دول الحوض إلى إعادة اللُّحمة إلى مبادرة حوض النيل، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية، تسهم في الانقسام بين دول المنابع ودول المصب بحوض نهر النيل.
قال الرئيس عبد الفتاح السيسى، إن مصر تضع المياه على رأس أولوياتها، حيث يعتبر نهر النيل تحديدًا، قضية ترتبط بحياة الشعب المصري وبقائه، كونه يشكل المصدر الرئيسي للمياه في بلادنا، بنسبة تتجاوز 98%، ولذلك فإن الحفاظ على هذا المورد الحيوى، هو مسألة وجود، تتطلب التزامًا سياسيًا دؤوبًا وجهودًا دبلوماسية، وتعاونًا مع الدول الشقيقة لضمان تحقيق الأهداف المشتركة.. وبدوره، قال رئيس الوزراء، د. مصطفى مدبولي، إن (التشغيل الأحادي لسد النهضة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة)، كما أكد وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، تمسك مصر بقواعد القانون الدولي الملزمة لإدارة الأنهار الدولية، مشددًا على رفض القاهرة لأي أفعال أحادية مخالفة لقواعد القانون الدولي لإدارة الأنهار الدولية.
إن مطالبة مصر دول حوض النيل الموقعة على الاتفاقية الإطارية، بمراجعة موقفها والعودة مرة أخرى للنقاش حول التعاون بين الدول، بما لا يحقق ضررًا لأي من دول النهر، والإعراب عن استعدادها للمشاركة في النقاش حول الاتفاقية، يعني أن موقف مصر عادل ويتسق مع اتفاقيات الأنهار الدولية المعمول بها دوليًا.. نقاشًا يشمل جميع الدول ولا يستثني مصالح دولة على أخرى، بما يوقع عليها الضرر، حيثأن مصر لديها استخدامات حقيقية، والمياه الحالية لا تكفي، وبالتالي لا تسمح مصر بالتنازل عن متر واحد من مياه النيل، وترفض بشكل قاطع اتفاقية عنتيبي بوضعها الحالي.
ورفض مصر والسودان يعني أن الاتفاقية لن تُفرَض عليهما بالقوة، لأن الرفض المصري يأتي لتلافي أي مخاطر تتوقعها مصر والسودان من أعمال مستقبلية أو حالية، قد تصيب حصتيهما المائيتين اللتين لا تكفيان بالأساس.. كما أنه يأتي من تمسك مصر باتفاقية عام 1959 التي وقعت عليها مصر، والتي تعتبرها القاهرة أنها وضعت الإطار القانوني اللازم، الذي يقضي بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل، إلا بعد الرجوع إلى دولتي المصب.. كذلك، فإن رفض الاتفاقية، يتماشى مع روح القانون الدولي نفسه، ولا يتناقض معه، حيث قضت محكمة العدل الدولية عام 1989، بأن اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود، ولا يجوز تعديلها.
وتضم دول حوض نهر النيل إحدى عشر دولة إفريقية، بين دول منبع النهر، هي: بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلًا عن دولتي المصب، مصر والسودان، إلا أن أديس أبابا تقود تجاذبات تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء النهضة، قبل نحو عقد، وحديثها عن اتفاقيات ما تسميها (الحقب الاستعمارية) والدعوة لتعديلها.. وما تعجل إثيوبيا بتفعيل الاتفاقية، إلا لأن تدرك حساسية التوقيت جيدًا، لأن هناك كثيرًا من المتغيرات الخاصة بموازين القوى الإقليمية والدولية، تضرب المنطقة الإفريقية، خصوصًا تلك التي يتمدد في خريطتها حوض النيل، وسط تمسك مصر والسودان باتفاقيات 1902 و1929 و1959، التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يلحق أضرارًا بالأمن المائي لدول المصب.
وكانت هناك بعض المقترحات لمعالجة هذه المخاطر، سواء بأن تكون مصر والسودان من الأغلبية، أو يكون القرار بالأغلبية، وأن يكون هناك إخطار مسبق، وما تفعيل القرار دون إخطار مسبق إلا لأن إثيوبيا لديها نوايا عدوانية على النيل تتعلق بحقوق مصر والسودان»، سواء المائية أو السياسية أو الأمنية.. وكان تفعيل هذا القرار يقتضي ألا يكون هناك تعارض بينه وبين أي اتفاقات دولية، خصوصًا إذا كانت تتعلق بالحدود والاتفاقيات الموقعة في عامي 1902 و1903، وهي تتعلق بالمياه والحدود، لا يمكن تجاوزهما إلا بموافقة أطراف الاتفاقية، وبالتالي فإن تفعيلها أمام المنظمات الإقليمية والدولية سيجد صعوبة، إلا بموافقة دولتي المصب، مصر والسودان.
وتبقى المسارات المتوقعة لمصر والسودان لمواجهة الخطوة الإثيوبية، هي الاعتراض أمام الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة أو المحاكم الدولية، لأنهما لهما الحق في اتخاذ أي إجراءات تحول دون وقوع أي ضرر جسيم، بما في ذلك حق الدفاع الشرعي، أيًا كان مصدر الخطر، وأيًا كان من يؤيده أو يدعمه.. لأن الموقف المصري تؤيده المنظمات الإقليمية والدولية؛ كونه في إطار الاتفاقيات والقوانين الدولية ذات الصلة، على خلاف الموقف الإثيوبي الذي يخالف القوانين والمواثيق الدولية، خصوصًا أن الاتفاق نفسه صاحبه جدل واسع بشأن شرط التصديق، وهو موافقة الثلثين، الذي كان يستلزم موافقة ست دول، ودخول دولة جنوب السودان، يعني أنها باتت سبعة، وهو ما يعني (وجود تحايل متعمد).. ولا يُستبعد أن يُعاد النقاش من جديد بشأن الاتفاقية، والنظر في تعديلها بما يتفق ومطالب مصر والسودان.
ويرى البعض، أن مصر مطالبة بعمل عاجل على الأرض مع بقية دول حوض النيل، وليس التمسك فقط بهوامش القانون الدولي، لأنه بالنظر لبقية الدول الموجودة ضمن نطاق حوض النيل، مثل الكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، وبوروندي، ورواندا، وأوغندا، وكينيا، وإريتريا، تستطيع مصر التحرك العاجل والفوري لبناء علاقات متينة مع هذه الدول، بمعنى أنه ينبغي على مصر تأسيس علاقات قائمة على التعاون العسكري والاستخباراتي، مثلما حدث مع الصومال وإريتريا، ودون ذلك يصبح من الصعب جدًا استمالة دول حوض النيل، بعيدًا عن التكتل الذي تنشط في هندسته إثيوبيا الآن.. أما السودان، فعليه بناء وجهة نظر مستقلة في هذا التوقيت، لا تتعارض مع مصر، ولا تقوم على التضحية بأمن مصر المائي.. ولا بد للسودان من التحرك أيضًا دبلوماسيًا، بالاستفادة من نوعية الظروف الأمنية التي يواجهها حاليًا، ليجعلها خط دفاع أول عن مصالحه في تعزيز أمنه القومي، بعيدًا عن أي مجاملات سياسية ودبلوماسية.
●●●
يقولون، أن كل شيء في الحاضر، هو امتداد من التاريخ.. وبقراءة بسيطة لدفتر أحوال المنطقة، نستطيع أن نرى، أنه خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي، كان الصومال على موعد مع حدث غير مسبوق في العقود الأربعة الفائتة.. طائرتان مصريتان محملتان بالمساعدات العسكرية من الأسلحة والذخائر، إضافة إلى أفراد ذوي مهام محددة، هبطتا في مطار مقديشو، في أول تطبيق فوري لاتفاقية التعاون الأمني بين البلدين، التي وُقعت في وقت سابق من الشهر نفسه، خلال زيارة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود إلى القاهرة، وتسمح بنشر ما يصل إلى عشرة آلاف جندي مصري على الأراضي الصومالية، فضلًا عن توفير المشورة العسكرية المصرية والأسلحة للصومال.
في ظاهرها، تهدف الاتفاقية المصرية ـ الصومالية إلى تعزيز التعاون الأمني بين الطرفين، في مجالات مكافحة الإرهاب وأمن الملاحة، وتبادل الخبرات حول الأمن الإقليمي والعالمي، ولكنها كانت تستبطن خصمًا مشتركًا، أثارت تحركاته القلق في القاهرة ومقديشو على السواء، ألا وهو إثيوبيا، بعدما استهلت أديس أبابا العام الحالي، بتوقيع اتفاقية مع إقليم أرض الصومال ـ وهو إقليم انفصالي يطالب بالاستقلال عن الصومال ـ تمنحها حق الوصول إلى ميناء بربرة التجاري على البحر الأحمر وقاعدة عسكرية إثيوبية، مقابل حصة في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، والأهم اعتراف سياسي باستقلال أرض الصومال.
من وجهة نظر الصومال، تنتهك الاتفاقية الإثيوبية سيادة الصومال، وتتجاهل حكومته المركزية، وتعزز من قوة إقليم ذي نزعات إنفصالية، وهو ما يفسر إستياء مقديشو من جارتها الإفريقية وحليفتها المؤقتة حتى وقت قريب.. أما القاهرة، فعلى الرغم من أن مسرح الاتفاقية يبعد آلاف الكيلومترات عن أراضيها، فإنه يرتبط بأهم قضيتين في منظومة الأمن القومي المصري، وهما أمن المياه، وحماية الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، إذ يعني وجود قاعدة عسكرية إثيوبية محتملة في ميناء بربرة، امتلاك إثيوبيا القدرة على رقابة وتحجيم التحركات المصرية في البحر الأحمر، والأهم أن أديس أبابا ستضع قواتها بشكل دائم على مدخل البحر قرب مضيق باب المندب، مما يجعلها قادرة على تهديد الملاحة في قناة السويس.. عند هذه النقطة، أيقنت القاهرة أخيرًا أن عليها التصدي بجدية أكبر لنوايا أديس أبابا التوسعية في المنطقة، من خلال تطوير العلاقات وتكوين رؤية إقليمية مشتركة، مع دول القوى الفاعلة في منطقة القرن الإفريقي.
يستبطن هذا التوجه المصري الناشئ عمقًا تاريخيًا لا يمكن تجاهله، حتى لو كانت القاهرة نفسها نسيته لفترة طويلة.. كما جاء في تقرير للجزيرة.. ففي ذروة الحرب الباردة، خلال ستينيات القرن الماضي، وبالتزامن مع حصول معظم الدول الإفريقية على استقلالها من الاستعمار، تحوَّلت منطقة القرن إلى واحدة من أهم ساحات التنافس العالمي بين الشرق والغرب.. وقتها، كانت القاهرة في مقدمة الداعمين لمشروعات التحرر الوطني في القارة، تحت قيادة الرئيس السابق جمال عبد الناصر، وقتها، صرح هيلا سيلاسي، آخر الأباطرة الإثيوبيين بأن فكرة (الصومال الكبير) التي تعني ضم الأقاليم الخمسة للصومال ـ الذي قُسم بفعل الاستعمار ـ في دولة موحدة، هي فكرة مصرية زُرعت في نفوس الصوماليين، لزعزعة استقرار إثيوبيا، الحليف القوي للغرب، وحائط الصد للتمدد السوفييتي في المنطقة.
منذ ذلك التاريخ، حدثت تحولات مأساوية تبدلت فيها مواقع اللاعبين، وجرت مياه جديدة في نهر السياسة، وحتى في مجرى النيل نفسه الذي اعتاد أن يصل بفيضانه كل عام إلى دولتي المصب، قبل أن تعترضه مؤخرًا كتلة خرسانية هائلة، وضعتها إثيوبيا في مسار جريانه، تعتبرها أديس أبابا اليوم حجر الأساس في مشروع طموح للهيمنة الإقليمية، يتضمن ـ للمفارقة ـ امتلاك موطئ قدم على البحر الأحمر، الذي لا تمتلك إثيوبيا وصولًا جغرافيا إليه، منذ انفصال إريتريا عنها مطلع التسعينيات.. وخلال العقدين الماضيين، لم تلعب الديناميات السياسية في المنطقة لصالح مصر التي كانت انعزلت عن عمقها الإفريقي، تاركةً الساحة لإثيوبيا للعب منفردة.. لكنّ ما حدث هو أن طموحات أديس أبابا الواسعة وسياستها، بدأت تثير مخاوف جيرانها وحلفائها السابقين، وهو ما يمنح القاهرة فرصة جديدة لإعادة تشكيل سياستها في هذه المنطقة الحيوية.
●●●
كان اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال في يناير الماضي على الأغلب، هو النقطة التي تبعثرت معها أوراق اللعب فوق الطاولة تمامًا.. كان رد الفعل الصومالي على مذكرة التفاهم سريعًا وحاسمًا ومتعدد الاتجاهات.. فلم تكد تمر أربعة وعشرون ساعة على توقيع مذكرة التفاهم، حتى أجرى الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، اتصالًا هاتفيًا بالرئيس عبد الفتاح السيسي، أعقبه وصول وفد مصري رفيع المستوى إلى مقديشو، حاملًا دعوة رسمية إلى الرئيس الصومالي لزيارة القاهرة.. وهو ما تحقق بعد ذلك بأيام، حيث عُقد مؤتمر صحفي وجّه فيه الرئيس السيسي ـ حضور الرئيس الصومالي ـ رسائل شديدة اللهجة إلى إثيوبيا، محذرًا إياها من خطورة (القفز) على أراضي جيرانها، ومؤكدًا وقوف مصر بجانب الصومال، في رفضه اتفاقية أرض الصومال، ومشيرًا إلى تمتع مقديشو ـ بوصفها عضوًا في جامعة الدول العربية ـ بحقوق الدفاع العربي المشترك.
قبل زيارة القاهرة، كانت طائرة الرئاسة الصومالية قد هبطت في مطار أسمرا الدولي، حيث كان الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، في استقبال نظيره الصومالي، ضمن أول زيارة خارجية للأخير بعد توقيع مذكرة التفاهم، حيث أكد أفورقي على الدعم الكامل لوحدة الصومال وسيادته ورفضه للتحرك الإثيوبي.. وتزامنا مع زيارة الرئيس الصومالي لإريتريا، وصل وزير الخارجية السابق، سامح شكري، إلى أسمرا، حاملًا رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى الرئيس الإريتري، تناولت سبل دعم العلاقات بين البلدين، في ضوء تطورات الأوضاع في القرن الإفريقي ـ حسب بيان وزارة الخارجية المصرية ـ مع دعوة أفورقي إلى زيارة القاهرة، ليصدر بعدها بيان من وزارة الإعلام الإريترية، يفيد بوصول أفورقي إلى مصر، في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، لتتوالى بعدها الزيارات واللقاءات بين مسئولي الدول الثلاث.
وضعت هذه التحركات ـ على ما يبدو ـ المسمار الأخير في نعش تحالف إثيوبي ـ صومالي ـ إريتري، تكوّن قبل ست سنوات، حينما توافق قادة الدول الثلاث آنذاك، رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله فرماجو، والرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، على رؤية إقليمية موحدة بينهم، تتأسس على مركزية الدولة بديلًا عن الفيدرالية العرقية.. ومن خلال توقيعه على مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، قدم رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، فرصة ذهبية للقاهرة، لإعادة تموضعها في القرن الإفريقي وتحديث شبكة تحالفاتها في المنطقة، بعد سنوات من فتور مواقفها وتراجع سياسات المبادرة، لصالح سياسات ردود الفعل التي خصمت من رصيدها ونفوذها قدرًا لا يستهان به.. هذا التعاطي المصري النشط والفعال مع الأزمة الصومالية، الذي بلغ ذروته بتوقيع الاتفاقية الأمنية وشحنات الأسلحة، يعززه انسداد أفق محادثاتها مع إثيوبيا بخصوص ملف سد النهضة، والتي امتدت لعقد كامل من الزمن، أكملت فيه أديس أبابا تقريبًا ملء بحيرة السد بشكل منفرد، أي تقريبا ثلاثة عشر ضعف استهلاك إثيوبيا السنوي من المياه، على عدة مراحل، ودون أدنى نظر لمطالبات القاهرة بالتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد يضمن حقوقها المائية.
بالنسبة إلى مصر، يُعد التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق ـ الرافد الرئيسي المُغذي لنهر النيل الذي يؤمن 98% من الاحتياجات المائية الراهنة لمصر ـ تهديدًا جسيمًا لأمنها القومي، حسب تقدير القاهرة التي ترى أنه قد تفاقم بعد محاولة أديس أبابا ـ عبر اتفاقها مع أرض الصومال ـ امتلاك موطئ قدم وقاعدة عسكرية لقواتها البحرية على مدخل البحر الأحمر وقناة السويس.. ومن هنا، كان سعي القاهرة الحثيث للتصدي لما تعتبرها توجهات توسعية لأديس أبابا في المنطقة؛ من خلال تطوير العلاقات مع الصومال، التي باتت اليوم الحليف الأقرب للقاهرة في منطقة القرن الإفريقي، ومعها إريتريا التي ألقتها تقلبات السياسة هي الأخرى إلى أحضان القاهرة.
●●●.
غير بعيد عن الصومال، وعلى مقربة شديدة من إثيوبيا نفسها، أهدت تصاريف القدر مصر ورقة مناورة جديدة في القرن الإفريقي.. لقد شعر أسياس أفورقي، الرجل الذي يحكم إريتريا منذ تسعينيات القرن الماضي، أنه تلقى طعنة في الظهر من حليفه الإثيوبي، آبي أحمد، بعدما وقع الأخير ودون تنسيق أو تشاور معه؛ اتفاقية سلام بريتوريا في يونيو 2022، أنهت حرب إقليم تيجراي الدموية، التي دارت رحاها على مدى عامين، وراح ضحيتها ما يقارب ستمائة ألف إنسان وأكثر من مليون نازح، وفقًا لتقديرات أممية، بعدما قاتلت قوات الجيش الإريتري في هذه الحرب إلى جانب الجيش الإثيوبي لإخضاع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.. ومنذ ذلك التاريخ، زادت حدة التوتر بين الرجلين، ورفض أفورقي سحب قواته من مواضعها القتالية داخل إقليم تيجراي، بينما سمحت أديس أبابا لجماعات معارضة لحكم أفورقي بالنشاط داخل الإقليم، إلى جانب تكثيف حشد قوات البلدين على جانبي الحدود.
بلغ الخلاف بين الطرفين ذروته، بعد تصريحات آبي أحمد في أكتوبر 2023، عن الضرورة الوجودية لوصول بلاده الحبيسة جغرافيًّا إلى البحر الأحمر، وعززه إعلان أديس أبابا في بيان رسمي، تعليقًا على مذكرة التفاهم الموقعة مع أرض الصومال؛ أن فقدان إثيوبيا لمنفذها البحري كان خطأ تاريخيًا وقانونيًا، في إشارة واضحة إلى انفصال إريتريا عنها عام 1993، والذي كان سببًا مباشرًا في فقدان أدبس أبابا ميزة الوصول إلى المياه الدافئة، منذ ذلك التاريخ، وهو ما اعتُبر إيذانا بعودة نيران الخلاف بين الجارين، بعد فترة قصيرة من الهدوء في عهد آبي أحمد.
يُعرف أسياس أفورقي بأنه رجل يجيد فن المناورات، ولطالما أجاد العمل كميسّر للتحالفات والوساطات والإمدادات العسكرية وغيرها من الإجراءات، مستغلًا الموقع الجيوسياسي المتميز لبلاده على البحر الأحمر، لتعزيز قبضته على مقاليد الحكم ولعب دور محوري، لا غنى عنه في المنطقة لكل الأطراف.. وفي مناورته الأخيرة، يبدو أنه قرر إعادة الاصطفاف إلى جانب القاهرة ومقديشو، في مواجهة حليفه السابق، بعد أن تصادمت مصالحه مع طموحات آبي أحمد لقيادة القرن الإفريقي، وعلى الأغلب فإن أفورقي أخفق لوهلة في رؤية حقيقة الخطط الإقليمية التوسعية لحليفه الإثيوبي.
على جانب أديس أبابا.. من المرجح أن آبي أحمد لم يتوقع أن قطع الشطرنج التي سقطت في أعقاب اتفاقية أرض الصومال، ستتداعى إلى تقارب ثلاثي بين القاهرة ومقديشو وأسمرا، مع فرصة للتحول إلى محور إقليمي.. لقد واجه السياسي ـ صاحب نوبل للسلام ـ أزمات عديدة خلال العام المنصرم، الذي اعتبره مراقبون الأسوأ في تاريخ البلاد، منذ الإطاحة بنظام منجيستو أوائل تسعينيات القرن الماضي.. فعلى الجبهة الداخلية، لا تزال تداعيات الأزمة في تيجراي مستمرة، مع اشتباكات تشتعل على فترات في الإقليم، فضلًا عن التحديات المرتبطة باستئناف العملية السياسية في إقليم، ارتكبت الحكومة فيه عملية إبادة جماعية، حسب وصف الأمم المتحدة.
وبعيدا عن تيجراي، تشتغل دعوات الانفصال وسط عدد من الدوائر السياسية الأمهرية، وفي إقليم أوروميا ـ أكبر المجموعات العرقية في البلاد- ـ تتصاعد مشاعر الغضب، في أعقاب تقرير أشار إلى تورط لجنة أمنية سرية أنشئت عام 2018، بعد وصول آبي أحمد إلى الحكم، بقيادة رئيس إقليم أوروميا، شيمليس عبديسا، إلى جانب مسئولين حكوميين بارزين؛ في حملة قمع وتصفية وحشية ـ خارج نطاق القانون ـ لشيوخ قبائل وسكان من الإقليم، بدعوى تعاطفهم مع جيش تحرير أورومو، الذي يخوض تمردًا مسلحًا ضد أديس أبابا.. وحتى اتفاقية بريتوريا نفسها، التي يعتبرها آبي أحمد إنجازه الأهم في الفترة الأخيرة، لا توجد ضمانة بأن تصمد تحت وطأة المجاعة المتزايدة هناك، وسوء الأحوال الإنسانية بشكل غير مسبوق، بعد أن جمّدت المنظمات الإغاثية الدولية والولايات المتحدة لفترةٍ مساعداتِها الغذائية، عقب اكتشاف الاستيلاء على المساعدات عبر السلطات الحكومية وبيعها في السوق المحلي.. ويُغلف هذا المشهد المعقد كله أزمةً اقتصادية طاحنة، نتج عنها تخلف أديس أبابا رسميًا عن سداد سندات حكومية مستحقة لدائنين خارجيين بعملة اليورو نهاية العام الماضي، وتراجعُ مؤشرات الاقتصاد الكلي من معدلات تضخم مرتفعة، وانخفاضٍ في قيمة العملة المحلية، وزيادة لمعدلات الدين العام، وتدهور في معدل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، في اقتصاد كان يُصنف ضمن أسرع الاقتصادات نموًا في العالم حتى وقت قريب.
خارجيًا.. وبينما كان آبي أحمد يطمح للقفز فوق مشاكله الداخلية، من خلال إشباع طموحاته الإقليمية بالوصول إلى البحر الأحمر، يبدو أنه قفز فقط إلى المجهول، وأعاد فتح صناديق الخلافات القديمة مع الجيران، التي ادعى سابقًا أنه جاء لإخمادها بلا رجعة، وهو ما وصَّفه الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في مارس الماضي قائلًا، (رغم التاريخ السلبي بين بلاده وإثيوبيا، فإن الصومال اختار المضي قدمًا في علاقات سلام، ولكن يبدو أن إثيوبيا تحاول صرف الانتباه عن مشاكلها الخاصة، من خلال التدخل في سيادة الصومال).
●●●
في مواجهة التطورات على الجبهة المصرية ـ الصومالية، قررت إثيوبيا ـ فيما يبدو ـ المضي قدمًا في نهجها التصعيدي، وشرعت في وضع مسألة اعترافها باستقلال أرض الصومال موضع التنفيذ.. وفي 30 أغسطس الماضي، أرسلت إثيوبيا مندوبًا بدرجة سفير إلى هرجيسا، عاصمة أرض الصومال، للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين الطرفين، التي تعود إلى عام 1996، حين افتتحت أديس أبابا مكتب اتصال لها في هرجيسا، يتولى شئون التعاون الاقتصادي والسياسي، لكن هذا المكتب لم يحمل طوال ذلك الوقت الصفة الدبلوماسية الكاملة التي تحملها سفارات الدول، بسبب عدم اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال.
لطالما اعتبرت أديس أبابا أرض الصومال ورقة نفوذ مهمة في صراعها الممتد لسبعة عقود مع مقديشو، منذ أعلنت أرض الصومال، استقلالها الأحادي الجانب، عن الصومال مطلع التسعينيات.. في المقابل، اعتقدت الحكومة في هرجيسا أن العلاقة مع فاعل إقليمي قوي مثل أديس أبابا؛ مسألة مهمة لإدارة صراعها الطويل مع الحكومات المركزية في مقديشو.. واليوم، ومن خلال نيل اعتراف شبه رسمي من قبل إثيوبيا بالاستقلال، يأمل قادة أرض الصومال أن يشجع ذلك دولًا أخرى على اتخاذ الخطوة ذاتها، بما يؤدي في النهاية إلى ضم أرض الصومال إلى الأمم المتحدة، وفتح اقتصادها أمام فرص اقتصادية وتجارية أكبر.
على نطاق أقرب، يأمل رئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، أن يعزز هذا الاعتراف السياسي الإثيوبي من مكانته السياسية في الداخل، قبيل الانتخابات المقرر عقدها في نوفمبر المقبل، رغم أن الاتفاقية مع أديس أبابا لديها معارضوها في أرض الصومال نفسها، خصوصًا في منطقة أودال، التي تحتضن الموقع البحري الذي يُنوى تأجيره لأديس أبابا، حيث يساور القلق القبائل التي تسكن تلك المنطقة، من أن يتبع الاتفاق هجرة ملايين الإثيوبيين إلى أرض الصومال للتجارة.. وهو ما قد ينتج عنه تغيير ديموجرافي، بالنظر إلى أن عدد سكان الإقليم الذي لا يتجاوز ستة ملايين، في حين يُتوقع أن يصل عدد الإثيوبيين إلى مائة وخمسين مليونًا، خلال أقل من عقد، وهو ما أدى إلى نشوب مظاهرات رافضة للاتفاق في مدن مختلفة متاخمة للساحل، والتي ينتمي سكانها إلى قبائل لا تؤمن بالانفصال عن الصومال، فضلًا عن قبول تأجير أراضيهم لإثيوبيا.
هذا الموقف الداخلي المأزوم للرئيس موسى بيهي عبدي، يعززه الفشل العسكري الكارثي في منطقة سول، التي تتنازع عليها أرض الصومال مع بونتلاند (أرض النبط) المجاورة، حيث فشلت هرجيسا خلال فبراير 2023 في قمع انتفاضة قامت بها عشيرة (دولبهانتي) في (لاس عانود) عاصمة سول.. ويفضل أبناء دولبهانتي أن تصبح منطقة سول، التي يشكلون أغلبية سكانها؛ ولاية في الاتحاد الصومالي، بدلًا من أن تقع تحت سلطة أرض الصومال أو حتى بونتلاند.
●●●
تخبرنا هذه التطورات المتسارعة، أن منطقة القرن الإفريقي تستقبل عصرًا جديدًا من التحالفات والخلافات والصراعات الإقليمية، بين الصومال وإريتريا، وبين إثيوبيا، وستصبح بقية القوى المجاورة في المنطقة وحولها ـ عاجلًا أو آجلًا ـ مضطرة لتحديد موقفها من هذا الصراع، وهي مواقف تتباين على الأرجح إلى فئات ثلاث: الفئة الأولى، تشمل المرحبين بالتقارب المصري ـ الصومالي، وفي مقدمتهم السودان، بقيادة عبد الفتاح البرهان، الذي ساءت علاقته كثيرا مع أديس أبابا، بعد الدعم الظاهر الذي قدمته الأخيرة لقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي يخوض قتالًا عنيًفا ضد قوات الجيش السوداني منذ قرابة عام ونصف، بينما يحظى البرهان بدعم مصري منذ اليوم الأول لاندلاع الصراع السوداني.
وقد أعلن السودان موقفه الواضح برفض الإجراءات الإثيوبية، في بيان رسمي صدر بعد يومين فقط من توقيع مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا مطلع العام، ناهيك عن التقارب الأخير بين الخرطوم وأسمرا، الذي بلغ حد تدريب قوات متحالفة مع الجيش السوداني في معسكرات خاصة، برعاية أفورقي في إقليم القاش بركة الإريتري.. أما جيبوتي التي تشعر بارتياح نسبي تجاه التحولات الحالية، فتقف في منطقة متوسطة إلى حد ما، إذ رغم الحياد الظاهري ومحاولات الوساطة التي تحاول إدارة الرئيس إسماعيل عمر جيله أن تلعبها تجاه الأزمة الصومالية ـ الإثيوبية، خشية إغضاب الجارة إثيوبيا، ومن ثم التأثير سلبًا على المصالح المتشابكة للبلدين، فإن المضي قدمًا في مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا لن يكون في صالح جيبوتي.
من الناحية الاقتصادية، تدفع إثيوبيا قرابة ملياري دولار سنويًا لجيبوتي نظير استخدام مينائها لأغراض التبادل التجاري، وقد تحملت جيبوتي مؤخرًا ديونًا صينية كبيرة، لتحسين الطريق الذي يربطها بإثيوبيا، على افتراض أن حجمًا كبيًرا من التجارة سيستمر في العبور، حيث تشكل عائدات الموانئ إلى جانب القواعد العسكرية الأجنبية، المصدر الرئيسي للدخل في البلاد.. إضافة إلى ذلك، جاء الإعلان عن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال بعد أسبوعين فقط، من الترويج لمبادرة دبلوماسية كبرى بقيادة رئيس جيبوتي للوساطة والإصلاح بين الصومال وأرض الصومال، وهو ما مثل ضربة قاسية للمصداقية السياسية للرئيس جيله، الذي نجح في عقد لقاء ثلاثي جمعه برئيسي البلدين، موسى بيهي عبدي، وحسن شيخ محمود، قبل أن تُجمّد مذكرة التفاهم هذه المبادرةَ تمامُا، وكان لذلك انعكاس سياسي سلبي داخل جيبوتي، يضاف إلى التجاذبات الساخنة حول خلافة جيله الذي يبلغ من العمر ستة وسبعين عامًا.
على مستوى أكثر عمقًا، تلعب الاتفاقية بين إثيوبيا وأرض الصومال على وتر الخلاف السياسي المحتدم في جيبوتي بين فريقين: أحدهما تقوده زوجة الرئيس قادرة حايد، التي تنتمي إلى عشيرة آل إسحاق المنتمي لها رئيس أرض الصومال، وتربطها مع إثيوبيا علاقات قوية، وترغب في تصعيد ابنها نجيب عبد الله كامل، من زوجها السابق، الذي ينتمي إلى عرقية العفر؛ لخلافة زوجها الحالي الرئيس جيله.. أما الفريق الثاني، فتقوده عشيرة عيسى، التي ينتمي إليها الرئيس جيله، والتي تحكم جيبوتي فعليًا.. ويضم هذا الفريق شخصيات بارزة في جهاز الدولة، بمن فيهم وزير الداخلية، سعيد نوح حسن، ورئيس المخابرات، حسن سعيد خيره، وقائد الحرس الجمهوري، العقيد محمد جمعة دوالة، وهم ينظرون بعين الريبة إلى تحركات السيدة الأولى ولا يرحبون بالتحركات الإثيوبية.. ويُعتقد أن هذا الفريق كان له تأثير مباشر على قرار وزير الدفاع في أرض الصومال بالاستقالة، بعد ساعات من إعلان مذكرة التفاهم، وذلك بحكم القرابة التي تربط الأخير برئيس جيبوتي وعائلته.
وأخيرًا، تقف تلك القوى التي تراقب التطورات بحذر؛ دون موقف واضح، وعلى رأسها كينيا، التي لديها مع أديس أبابا مصالحُ واضحة ذات بعد اقتصادي تنموي، يتمثل في ميناء لامو وممر لابسيت، بالاشتراك مع جنوب السودان، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في إعادة التوتر إلى العلاقات مع الصومال، التي استمرت لأكثر من عقدين ووصلت حد قطع العلاقات واللجوء إلى ساحات محكمة العدل الدولية، على خلفية النزاع بين البلدين على ترسيم الحدود البحرية بينهما.. هذا فضلًا عن تشابك العلاقات والمصالح الأخرى بين الطرفين، حيث يوجد خمسمائة ألف لاجئ صومالي داخل الأراضي الكينية، كما أن لنيروبي نفوذًا سياسيًا كبيرًا في الأوساط السياسية الصومالية، يعززه وجود زهاء أربعة آلاف جندي كيني، ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال (أميسوم) منذ فبراير 2012.
في غضون ذلك، تحافظ نيروبي على علاقات قوية مع القاهرة، لاسيما على الصعيد العسكري، كما سبق لكينيا أن أخذت زمام المبادرة داخل الكتلة الإقليمية (إيجاد)، للتوسط في الصومال وإثيوبيا، لكنها لم تحقق تقدمًا كبيرًا، في ظل تزايد الهوة بين الطرفين.. وأيا كانت المواقف التي ستتخذها دول المنطقة، فمن المؤكد أن خارطة جديدة للتحالفات والخصومات قيد الترسيم حاليًا، وأن الكثير من الدول سيتعين عليها القفز برشاقة بين مربعات رقعة الشطرنج المتشابكة.. وفي غضون ذلك، يبقى التحولان الأكثر أهمية في المنطقة، وهما اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، والتحالف المصري ـ الصومالي ـ الإريتري قيد الاختبار، في انتظار الأيام القادمة لتخبرنا أيهما سيصمد أمام المزالق والمنعطفات.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق