مافيا الخانكة.. حملة "الدستور" تبرئ المتورطين فى التعدى على الأراضى بالقليوبية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

احدث الاخبار من خلال موقع الخليج برس , مافيا الخانكة.. حملة "الدستور" تبرئ المتورطين فى التعدى على الأراضى بالقليوبية, اليوم الأربعاء 30 أكتوبر 2024 08:26 مساءً

تطورات سريعة وأحداث متلاحقة وردود أفعال واسعة حدثت منذ أطلقت «الدستور» الجزء الأول من حملتها الصحفية، فى عددها الصادر بتاريخ ٦ يونيو الماضى، ضد «مافيا الخانكة» وعصابة توريط المواطنين فى قضايا تعدٍ على أراضٍ زراعية لا تخصهم والتستر على جرائم متعدين حقيقيين. ونشرت «الدستور» تفاصيل ارتكاب عدد من المهندسين بالإدارة الزراعية بالخانكة بمحافظة القليوبية تلك الوقائع، متضمنة المحاضر العشوائية المحررة ضد المواطنين، ومعلومات تفصيلية كشفها بعض الضحايا عن دور «أحد النافذين» بالمنطقة فى التغطية عمدًا على جرائم المتعدين الفعليين على الأراضى الزراعية. استجابة لما نشرته «الدستور»، استدعى رئيس نيابة الخانكة، المستشار أحمد حقى، المهندسين المتورطين فى تحرير المحاضر العشوائية، وأصدر أوامره بتعديل أسماء المواطنين الأبرياء بأسماء المتعدين الفعليين، وتحولت الإدارة الزراعية إلى ما يشبه «خلية نحل» فور وصول طلب النيابة، لتنهى سريعًا إصدار الإفادات اللازمة. وقرر رئيس نيابة الخانكة إرفاق الإفادات الجديدة بأوراق القضايا المنظورة أمام القضاء، لتصبح الملفات جاهزة أمام القاضى فى جلسات المعارضة، وبهذا يُسدل الستار على القضايا المعروفة والتى تقدّم أصحابها بمعارضات على الأحكام. ولأنى- أنا كاتب هذه السطور- كنتُ ضمن المجنى عليهم فى القضية.

القاضى يحكم بالبراءة.. والنيابة الإدارية: المهندسون المتورطون اتهموا فى وقائع سابقة بـ«الإهمال الجسيم»

فى ١٤ سبتمبر الماضى، وقفت أمام القاضى، وشرحت له كيف بدأت الحكاية وكيف تم الزج باسمى فى قضية لا علاقة لى بها، وأوضحت له أننى لا أملك أراضى أو عقارات فى المنطقة المعنية، وأن ما يثير الدهشة بشدة فى الواقعة هو أنها ليست واقعة تشابه فى الأسماء، بل واقعة ملفقة بنسبة ١٠٠٪، وحينها طلب القاضى الأوراق التى تُثبت صحة كلامى، وبعد تقدمى بها أصدر حكمه فورًا بالبراءة.

بعدها، أحال القاضى الأوراق مرة أخرى إلى النيابة العامة لاتخاذ ما تراه مناسبًا تجاه المتعدى الحقيقى، ليدخل اسمه فى القضية، خاصة أن هناك قضايا عديدة مماثلة بهذا الشكل، وأن كثيرًا من أهالى الخانكة وجدوا أسماءهم مدرجة ضمن قضايا لا تخصهم.

وكإجراء احترازى، فإن أهالى الخانكة أصبح عليهم التأكد من عدم وجود أحكام قضائية صادرة ضدهم، وذلك بالكشف عن أسمائهم فى سجلات وزارة الداخلية، كون المتورطون يعملون- منذ سنوات- بنفس الطريقة، فإذا تصادف وجود أحكام على بعضهم فإن علم النيابة بالأمر سيسهل حصول الأهالى على أوراق تثبت براءتهم.

وفى الإطار نفسه، استدعت النيابة الإدارية، برئاسة المستشار أحمد أبوشرف، مهندسى الإدارة الزراعية المتورطين فى قضية الخانكة، وبدأت التحقيق فى الوقائع التى قدمها المجنى عليهم، تمهيدًا لاتخاذ قرارات بشأن المتورطين ووقفهم عن العمل.

ومع متابعة الأمر، فاجأنى أن النيابة الإدارية كانت على علم تام بحدوث وقائع مشابهة، وأيضًا بأسماء المهندسين المتورطين، وأنها سبق لها أن استجوبتهم فى وقائع أخرى لها علاقة بالإهمال الجسيم أثناء العمل، لذا لم يكن الأمر صعبًا عند مثولى أمام المحقق لأشرح سبب تقدمى ببلاغ ضد من حرر محضر التعدى المزيف ضدى.

بدوره، اطلع المحقق على كل الأوراق الخاصة بالقضية، والتى أثبتت جميعها عدم ارتكابى التعدى، وأن تلك الوقائع تخص آخرين، ثم قرر استدعاء الموظف المسئول عن تحرير المحضر العشوائى للتحقيق معه.

محافظ القليوبية: المشكلة فى «فساد الضمائر».. وإحالة الوقائع للفحص الفنى

التقيتُ- أنا كاتب هذه السطور- محافظ القليوبية المهندس أيمن عطية، الذى أكد أن ملف استرداد أراضى الدولة والحفاظ على الأرض الزراعية يأتى فى مقدمة اهتماماته، ووعد بحلول جذرية لمشكلة تحرير المحاضر العشوائية ومحاسبة المتورطين فيها.

وبمجرد تسلمه ملفات القضية والوقائع وأسماء المتورطين فيها، أرسل الأوراق إلى الفحص الفنى، تمهيدًا لاتخاذ ما يلزم تجاه مهندسى الإدارة الزراعية بالخانكة، معلقًا بالقول إن هذه الوقائع موجودة بسبب «فساد الضمائر».

واعتبر «عطية» أن مبررات المهندسين بارتكاب تلك الوقائع نتيجة نقص أعدادهم «عذر أقبح من ذنب»، وقال: «لن نضغط على مهندس ونطالبه بأكثر مما يحتمل، لكننا فى الوقت نفسه لن نعطيه الفرصة للإهمال أو التراخى فى العمل».

وأضاف: «القيادة السياسية كلفتنى بمنع التعدى على الأراضى بشتى الطرق، وهناك توجيهات فورية لرؤساء المدن بالمرور الدورى والمستمر حتى لا يتمكن المعتدون من بناء أكثر من طابق وبالتالى يصعب إزالة المبنى».

وأكد أنه ينشط بنفسه فى متابعة ملفات التعديات على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة، بتكليفات مباشرة من القيادة السياسية، وأن أمامه ملفًا كاملًا بأسماء موظفين تورطوا فى تحرير محاضر عشوائية ومخالفة.

النائب محمد القصبى: استجواب حوّل الضبطية القانونية للمهندسين

فى مجلس النواب، تحرك النائب محمد الطوخى القصبى لمحاولة سد الثغرات التى يتحايل من خلالها مهندسو الإدارة الزراعية لتحرير المحاضر العشوائية، لافتًا إلى أنه تقدم باستجواب لوزيرى الزراعة والعدل بشأن القانون رقم ٧٠٦ لسنة ١٩٩٦ والذى بموجبه مُنحت الضبطية القضائية للمهندسين.

وقال «القصبى»، لـ«الدستور»: «يجب توافر كل الضمانات لضمان عدم تحرير محاضر ضد الأبرياء، وهناك ثغرات فى القانون تسمح للمرتشين بتحصيل أموال من المتعدين مقابل السماح لهم بالتعدى على الأرض الزراعية نفسها».

وطلب النائب قائمة بأسماء المواطنين الأبرياء الذين زُج بأسمائهم فى هذه القضايا الملفقة، وذلك لتكون دليلًا معه أثناء استجواب المسئولين، لكن المفاجأة كانت فى تخوف المجنى عليهم من هذه الخطوة، كونها ستعرضهم لخطر كبير من «الكحول» الذى ورطهم فى القضايا منذ البداية، حسب رأيهم.

«الهوارى»: أنا مجنى عليه.. واسمى ورد فى قضايا بنفس الطريقة.. و«ما دخلش جيبى مليم حرام»

حرصًا من «الدستور» على تحرى الدقة، وإيمانًا منها بحق الطرف الآخر فى إبداء وجهة نظره، التقيتُ بـ«الهوارى»، وهو الاسم الذى تردد فى محاضر التعديات المزيفة، والذى اتهمه المجنى عليهم بتوريطهم فى قضايا الأراضى، وكانت جهات التحقيق الرسمية قد سبقتنى إليه بعد نشر «الدستور» الجزء الأول من التحقيق فى يونيو الماضى.

الرجل نأى بنفسه عن أى اتهامات، وأكد أنه بنى نفسه بنفسه بعد أن جاء من صعيد مصر من محافظة قنا منذ ما يزيد على ١٧ عامًا، ليبدأ تجارة رابحة، سبقها بالعمل فى منصب حكومى بالمحليات، ومن هنا تعرف على «دهاليز» وأسرار تلك التجارة.

وأوضح «الهوارى» أنه من شهرة قبيلته وصيتها استمد قوته وبدأ علاقة «شرعية» بجميع المسئولين منذ سنوات طويلة، بعد أن لجأ إليه الناس باعتباره «واسطة خير» لقضاء مصالحهم، فى وقت سُدت فى وجههم معظم القنوات الرسمية، وأنه تدخل شخصيًا لإنهاء نزاعات كادت تسفك فيها دماء كثيرة.

وحسب «الهوارى»، فإن علاقته بالمجنى عليهم جاءت أثناء قضاء مصالحهم، فهو الذى يلجأ إليه الناس للصلح بينهم فى الخصومات، هو أيضًا القادر على إعادة الحق لأصحابه فى الجلسات العرفية، وقال: «ما دخلش جيبى مليم حرام.. ولقمتى باكلها بشرف.. واللى معاه دليل ضدى يطلعه».

وأكمل: «أنا مجنى عليه ولست متهمًا، وهناك أكثر من قضية زُج باسمى فيها بنفس الطريقة والقضاء ينظرها الآن، وأحدهم حصل على بطاقتى وحرر لى محاضر مخالفة على خلاف الحقيقة».

وكشف عن واقعة تدخلت فيها جهات رسمية للتحقق مما نُشر عنه، وقال: «جاءنى شخص يرتدى زيًا مدنيًا، وعرض علىّ شراء قطعة أرض كان يظن أنها من أملاكى، فاصطحبته وطلبت منه أن يرينى موقعها، وحين ذهبت معه تأكد أنها ملك لغيرى، وهنا أظهر لى هويته الرسمية واتضح أنه ضابط».

التحايل على القانون يبدأ ببند «يصعب الإزالة».. وتعقد إجراءات المصالحة يفتح الباب أمام «حلالين العقد»

يصعب إزالة المبانى التى تعدى أصحابها على الأرض منذ سنوات طويلة، وبنوا ٣ أدوار وأكثر، وهذه المبانى يتم التصالح مع أصحابها مقابل رسوم معينة تفرض عليهم، ولكن ماذا عن الأراضى الزراعية التى تقع بين منطقتين تم البناء عليهما بالطريقة السابقة ومنذ وقت طويل؟!.

أحد المسئولين أكد أن هناك تعليمات مشددة بإزالة المبانى طالما كانت هناك إمكانية لفعل ذلك، وفى بعض الحالات يكون المبنى قديمًا- بُنى قبل ١٥ عامًا وأكثر- لكنه عبارة عن دور واحد، وهنا تتم إزالته، ولكن إن كان هناك مبنى آخر بجانبه «حديث»، أى بُنى فى آخر سنتين لكنه مكون من ٣ أدوار فهو يحصل على بند «صعب الإزالة» والتالى فإن تطبيق القرار لا يكون عادلًا فى كثير من الأوقات.

المبانى أصبحت داخل «الحيز العمرانى» بحكم «الأمر الواقع»، أما الأراضى فهى تتبع الزراعة وحسب القانون لا يجوز التعدى عليها بالبناء، وإذا حدث ذلك يقدم المتعدى للعدالة فورًا ثم يُطلب منه التصالح عليها. وأثناء مراحل التقاضى، يُصبح المتعدى أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تقديم رشوة لأحد أباطرة الإجرام للتضحية بـ«كبش فداء» مكانه أو استمراره فى التقاضى، وهى مرحلة استنزاف طويلة يُفقد فيها الكثير من الأموال، وفى النهاية أيضًا يدفع مبلغًا ضخمًا للتصالح، لذا فإنه يختار الطريق السهل ويذهب لـ«كحول» وتقديم آخر للعدالة بدلًا منه.

المتعدون على الأرض أنفسهم يطلبون من الحكومة اختصار كل الإجراءات، بدلًا من اضطرارهم للجوء إلى «كحول»، مع تبسيط الأمور عليهم وتقنين أوضاعهم بشكل قانونى، طالما أن منازلهم مقامة على أرض تحيط بها مبانٍ أخرى منذ سنوات بعيدة، ومن الطبيعى حدوث زحف عمرانى مع الوقت.

وفى ١٧ أكتوبر ٢٠٢٢، وافق البرلمان على تغليظ عقوبة التعدى على الأراضى الزراعية بهدف «الردع»، ونص القانون على حبس المتعدى مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على ٥ سنوات، فضلًا عن غرامة لا تقل عن ٥٠٠ ألف جنيه ولا تزيد على ١٠ ملايين.

وأيضًا أدرجت تلك العقوبة تحت طائلة الجرائم المخلة بالشرف، ويشطب المهندس المسئول عن البناء من سجلات نقابة المهندسين، وبناء عليه، ظهر «الكحول»، وهو حلقة الوصل مع المسئولين وحلال العقد، أى أنه «منقذ المتهمين ومورط الأبرياء».

خلال الـ٢٠ سنة الأخيرة، وعبر هؤلاء، ظهرت إمبراطوريات كاملة على أطراف القاهرة الكبرى، أكثرها يتمركز حول الطريق الدائرى والمدن المحيطة به، وفى مناطق مثل الخصوص بالقليوبية على الأراضى الزراعية، وبسهولة شديدة يمكن الوصول إليها والسؤال عن السماسرة فى هذه المناطق، ومعظمهم من عوائل تعود أصولها لصعيد مصر.

وعن ذلك يقول «و. أحمد»، موظف بالضرائب العقارية، إن أساس المشكلة هم الأشخاص الذين جاء أغلبهم من الصعيد وبنوا إمبراطوريات من المبانى المخالفة، ثم جلبوا باقى أهلهم لمساعدتهم فى العمل، وهؤلاء تسببوا فى أزمات كبيرة، ورغم ذلك فإنه لا يوجد أى إثباتات أو أوراق تدينهم، لأنهم «لعبوها بذكاء شديد». وأضاف: «بدأت الحكاية بشخص باع قطعة أرض فى محافظته، بالصعيد على الأغلب، ثم اشترى قطعة أرض (زراعية) تكون غالبًا بالقرب من الطرق المركزية والمحور والدائرى، وخلال وقت قصير يكون قد بنى عليها برجًا، وأثناء ذلك يبيع الشقق ويجمع مبلغًا من المال لشراء قطعة أخرى ويبنى عليها برجًا جديدًا، وهكذا». وتابع: «لأن معظم الشركات الخاصة تكون القاهرة مقرًا لمكاتبها يضطر العمال والموظفون إلى البحث عن شقق بالقرب منها، ما يجعلهم يذهبون لهؤلاء الأشخاص ويشترون منهم الشقق التى غالبًا ما تكون أسعارها (معقولة) مقارنة بغيرها، وذلك لأن أوراقها ليست سليمة فى الأساس، فالمبنى مقام على أرض زراعية».

واستطرد: «بمرور الوقت يتحول هذا الشخص إلى (إمبراطور) فى منطقته، لأنه استعان بأفراد عائلته وقبيلته، وهكذا فعل غيره، حتى أصبحت مدن بكاملها فى مصر تحمل اسمهم»، مضيفًا: «الخصوص مثلًا يصعب السير فيها بسبب ارتفاع المبانى، و٩٠٪ منها مبان مخالفة». وأردف: «بحكم عملى، أدخل على صاحب العقار واسأل عنه وكأنى مواطن ذاهب لشراء شقة، وغالبًا لا أقابل مالك العقار الحقيقى، بل شخص آخر يكون (مجرد صورة)، بعد أن اشتراه صاحب العقار بالمال ليكون فى الواجهة، وهو أيضًا من يُحاسب أمام القضاء فى قضايا المخالفات، بينما يظل المالك الأصلى فى أمان تام». ومؤخرًا، أوقفت الحكومة العمل بقانون «البناء الموحد»، الصادر فى مارس ٢٠٢١، والذى أدى لتراجع الأعمال الإنشائية بالعديد من المدن الرئيسية، كما كان عائقًا أمام عمليات البناء «الشرعى»، وتسبب فى كثرة حالات التعدى على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة. ومن شأن تلك الخطوة أن تُحد قليلًا من البناء العشوائى على الأرض الزراعية، لأنه وحسب قانون البناء الموحد فإن كثيرًا من المواطنين واجهوا صعوبات فى استخراج تراخيص «تعلية الأدوار»، إذ كان الأمر يتطلب معاينات ودفع أموال كثيرة للحصول على التراخيص. وقال المحامى أيمن المصلحى إن العودة للعمل بالقانون رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨ يضمن سهولة استخراج تراخيص «تعلية الأدوار»، ما يعنى أن المواطن لن يغامر بالتعدى على الأرض الزراعية، وهو ما يحافظ على الرقعة الخضراء.

وأضاف: «تسبب قانون البناء الموحد فى ضرر كبير للمواطنين، خاصة الشباب المقبلين على الزواج، إذ أصبحوا مضطرين للانتقال للمدن الجديدة أو البناء المخالف أو التعدى على الأرض الزراعية، وهى خيارات جميعها مؤلمة لهم وللمجتمع».

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق