غيبوبة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

احدث الاخبار من خلال موقع الخليج برس , غيبوبة, اليوم السبت 19 أكتوبر 2024 07:54 مساءً

كلنا نحب القمر 

والقمر بيحب مين؟ 

لكننى تعودت أن أراقب القمر حتى فى الليالى الظلماء، وأسعد عندما أشاهد القمر مكتملًا على وجه أحد من أحبابى، وقد رأيته أخيرًا فى دورته الأولى غير مكتمل، لكن كتلة غليظة من السحاب تدور حوله، ثم تغمره وتحجب ضوءه، حتى إنه يكاد يختنق خلفها، وأشعر بأن القمر يختنق، وأنا أترنح من الألم القاتل، وأغفو كلما استعنت بأقراص المسكن، وأتابع تموجات مخى المجنحة ما بين اختناق القمر تحت تلال السحاب الأبيض الكثيف الذى يحجبه، وأنا الوحيدة أسير ضالة، لا أقف عد حد من حدودى، ثم فجأة أنزلق فأقع فى بئر عميقة أشاهد جسدى وقد اضمحل، ليصبح مثل شمعة صغيرة محترقة، ألقى بها فى تلك البئر، وأحدق فأجد ذلك الجسد الذى يهوى فى فضاء مخلخل، وهواء كثيف يعوق حركة الجسد من الهبوط بالسرعة المعتادة، مما يجعلنى أجد الوقت لأتابع ذلك الهبوط، فيضغط على أنفاسى لتتسارع ضربات قلبى مع هبوط الجسد ببطء شديد، فأرى أنها ليست بئرًا، إنما هو نفق كبير متسع يقف رأسيًا والجسد فيه كريشةٍ تذروها مياه المحيط، لكن المشهد سرعان ما ينقلب، لأجدنى فى نهاية ذلك النفق العجيب، والأعجب أن أرى فى نهايته نورًا ساطعًا وشمسًا دافئة مشرقة تملأ أشعتها المكان بالنور والدفء والبهجة، والقوم منتشرون يسيرون ويجلسون على الآرائك يقرأون ويضحكون ويأتنسون بهذا الدفء وجو البهجة والشمس الساطعة، فما أسعدنى بهم وبهذا المكان، فما الذى يحزننى إذن؟

ما علىّ إلا أن أفعل ما يفعلون، فليس أجمل من أن أشارك بالقراءة فى حضن ذلك الدفء والأنس والبهجة والحياة الجماعية الرائعة فى هذا المكان. 

لكن المنزل فجأة يمتلك عقلى، وأصبح يشغلنى بحركة غريبة امتدت إليه، ما هذه الفوضى التى يفعلونها بالأثاث، ولم يرفعون أكبر قطعة من الأثاث عن مكانها، قالوا سنعيدها بعد التنظيف متى ولماذا؟ 

وهنا أستيقظ فلا أرى إلا الستائر الكثيفة تمتد من السقوف فى صفوف متتالية، أحاول اختراق تلك الصفوف الكثيفة لأجد غيرها وغيرها بنفس الألوان والنقوش من الأسفل للأعلى، وأبحث عن باب للخروج، فلا أجد، بل أجد الحجرة تمتد طولًا وعرضًا، ولا أرى من خلف الزجاج إلا شوارعًا كبيرة طويلة ممتدة إلى ما لا نهاية، ولا شرفات ولا أبواب ولا شبابيك، بل ستارة وراء ستارة، وأحيانًا تكون سجاجيد معلقة طولًا وعرضًا، وينقشع المشهد كل ثانية، وفى تلك الثانية أستطيع أن أحدد معالم الحجرة، وأسمع أصوات أهلى من حولى، وأراهم أحيانًا بلا رءوس وأحيانًا يصطفون من خلفى، وليسوا بجانبى، وأسمع طوال الوقت موسيقى وغناءً فى الخلفية، حيث يشدو عبدالوهاب بذلك الشدو الجميل فى مواويل طويلة، وكأنها سهرة ممتدة إلى الفجر دون انقطاع ترتاح نفسى إليها، وأفسرها على أنها من مواله الشهير: «أغثنا أدركنا يا رسول الله»، وفى الثوانى الكاشفة أيضًا أجد من يحيط بى، ويجلس حولى، وتحت أقدامى أطفال يرتدون ملابس زاهية ملونة ومزدانة بالزهور والورود الحمراء والملونة بألوان مبهجة. 

فما أجمل محيطى من الأطفال!، يحيطون بى وكأنهم فى حراستى، ومن أجل أمنى، وكأنهم ملائكة مكلفون بحمايتى.

استكنت لذلك المشهد الذى عاش معى ليلة كاملة، ولم أنم.. 

هل هو التخريف يا دكتور 

أم هذا لون من ألزهايمر؟ 

لا هذا ولا ذاك يا بنتى.. 

إنما هو ارتفاع ضغط الدم بشكل غير مسبوق، واشتعاله إلى عنان السماء، وليس بمقدور الإنسان أن يتحمله، فقد كان هذا هو رد الفعل الذى يفعله جسم الإنسان وروحه ووجدانه فى تلك الساعات الفارقة من الألم والمرض.. 

لكن الله هو الشافى وهو قادر على كل شىء.. وحدث الشفاء.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق