لبنان مزقها الطائفية والتدخل الخارجي

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 14/أكتوبر/2024 - 05:58 م 10/14/2024 5:58:43 PM

في الوقت الذي يعيش لبنان ظرفا استثنائيا بسبب الوضع السياسي المتأزم بين الطوائف التي تتنازع على السلطة وهو الوضع الذي نتج عنه أوضاع اقتصادية صعبة جدا أدت لخروج عدد كبير من اللبنانيين إلى دول المهجر والذي بلغ عددهم من ١٢ إلى ١٨ مليون معظهم يتمركزون في البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، أعادت هذه الصورة للأذهان لبنان في عصره الذهبي الذي بدأ منتصف الخمسينيات حتي منتصف السبعينيات  وكان يطلق عليها سويسرا الشرق والسر وراء هذه التسمية هو تشابه الطبيعة الجغرافية الجبلية البديعة لجبال الألب الممتدة في سويسرا بجبال لبنان الممتدة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط إلي جانب تمتعها بقوة مالية جعلتها المركز المالي للشرق الأوسط  في فترة الستينات والسبعينات وأهم المراكز المصرفية في آسيا الغربية وعاش القطاع المصرفي في حالة ازدهار ونمو غير مسبوقة كان وقتها  يساوي ٣.٣  ليرة لبنانية (سعر الصرف الحالي ٩٠ الف ليرة لكل دولار).
ظل الوضع مستقر حتي انفجر الوضع مع اندلاع الحرب الأهلية في ١٣ أبريل ١٩٧٥ حرب استمرت ١٩٩٠ بموجب اتفاقية الطائف راح ضحيتها اكثر من ١٢٠ الف قتيل وتشريد اكثر من ٧٦ الف مواطن وهجرت اكثر من مليوني لبناني برا كنتيجة مباشرة للحرب الأهلية.
وبرغم إن اتفاقية الطائف كانت الهدف الأساسي منها هو وقف الحرب وتعزيز سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها والقضاء على الطائفية والتي كانت السبب الرئيسي في الحرب إلا أن الطوائف اللبنانية وافقت على الاتفاق من حيث الشكل لكن اختلفت على المضمون والتنفيذ الفعلي فلجأت الطوائف اللبنانية إلي تعزيز قوتها وتوسيع نفوذها على الأرض من خلال الاستعانة والاستقواء بالأطراف الخارجية وجاء ذلك على حساب تعزيز مبدأ المواطنة ومنافيا لمبدأ ترسيخ الدولة على حساب الطائفة وبطبيعة الحال مررت الأحزاب السياسية الداعمة للطوائف هذه الثقافة إلى المواطن اللبناني فأصبحت الثقافة السائدة في الشارع اللبناني هو الانتماء للطائفة والحزب وليس للكيان مما ساهم يشكل كبير في القضاء على الهوية الوطنية اللبنانية والانتماء للطائفة وليس للدولة اللبنانية مما دفع البلد إلى صدام طائفي مستمر جعل الشارع في حالة غليان مستمر وفي كل مرة كان ينتهي بانفجار يضر بمصلحة الدولة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية ويزيد من حالة الاحتقان السياسي والشعبي الأمر الذي ترتب عليه دخول لبنان في دائرة مغلقة من الصراعات الطائفية  ليست على مستوى السني والشيعي بل أيضا على مستوي المسيحيين من الطائفة الواحدة وهي الأمور التي ساهمت بشكل كبير في انحصار دور مؤسسات الدولة وحل محله دور الطائفة في الإدارة واتخاذ القرارات وإدارة شؤون المواطنين التابعين لها.
على المستوي السياسي الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة اللبنانية هو التدخل الخارجي السافر في الشأن الداخلي لأن القرار السياسي كان يتخذ من الخارج نتيجة لتبعية كل طائفة لقوي خارجية فكان من المتعارف في حال اجتماع الحكومة هو انتظار القرار من الخارج حتي يتم تمريره وهذا الوضع السياسي الشاذ ساهم بشكل كبير في تعزيز نفوذ القوى الخارجية التي سيطرت على القرار السياسي والاقتصادي في لبنان وساهم بشكل كبير في حماية مصالح الغرب وإيران السياسية والاقتصادية داخل هذه الدولة الصغيرة المحورية على حساب مصلحة الدولة والكيان.
اقتصاديا عانت لبنان كثيرا من خروج عدد كبير من الكيانات الاقتصادية والشركات من لبنان نتيجة تردي الوضع الاقتصادي والأمني الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة وارتفاع الإسعار وفقدان عدد كبير من الوظائف وما زاد الطين بلة هو تدفق عدد كبير من اللاجئين السوريين وصل لأكثر من ٢ مليون مع قيام الثورة في سوريا ساهمت هذه الهجرة في القضاء على ما تبقي من الاقتصاد هو في الأساس منهك نتيجة للصراعات السياسية  وإرتفاع معدل الفساد المالي والإداري صاحبه شح في الوظائف وارتفاع في الأسعار وتردي في الخدمات الأساسية كالكهرباء والعلاج والسكن والمياه النظيفة مع ارتفاع واضح في حوادث السرقة والقتل نتيجة لإنعدام الأمن وعدم توفير الدعم والموارد اللازمة للشرطة المحلية والجيش اللبناني الذي تم أضاعفه بفعل فاعل.
المجتمع الدولي وتحديدا الجمعية العامة تعامل بمنتهي السطحية والحيادية السلبية مع الملف اللبناني فلم نجد في الفترة الأخيرة إي مبادرات طرحت لإيجاد حل للخروج من الأزمة الحالية التي مزقت الداخل اللبناني خصوصا في ظل الصراع التاريخي بين اسرائيل وحزب الله والذي جعل الغرب وخاصة الولايات المتحدة تعطل أي محاولات إصلاح للداخل اللبناني وهو ما يعد كورقة ضغط سياسي لوضع حزب الله في دائرة الاتهام امام الأطراف اللبنانية وأيضا أمام المجتمع الدولي وتحميله بشكل كامل مسؤولية ما يحدث في لبنان من انهيار اقتصادي وسياسي وأمني.
الدولة المصرية تعاملت مع الأزمة اللبنانية بمنتهي الحيادية فوقفت على مسافة واحدة من جميع الطوائف وانتهجت سياسة واحدة لا تتغير هي عدم التدخل في الشأن اللبناني الداخلي برغم قدرتها على فعل ذلك كما بذلت مجهود دبلوماسية كبيرة لعودة الفرقاء اللبنانيين لطاولة الحوار لإنقاذ لبنان البلد الجميل الذي مزقته الطائفية والتدخل الخارجي ومازالت هذه المجهودات قائمة ولا تتأخر الدولة المصرية عن القيام بدورها في حماية الأمن القومي الإقليمي ويعد الملف اللبناني من أولويات الإدارة السياسية لعودة لبنان مرة أخري دولة مستقلة ذات سيادة منزوعة الطائفية.
للأسف الشديد الغرب وخاصة الولايات المتحدة استخدمت سياسة اشعال الخلاف الطائفي بشكل كبير لحماية مصالحه السياسية والاقتصادية  وحماية أمن إسرائيل في المنطقة خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربي وهناك عدة نماذج لهذه السياسة الفاشية استخدم فيها كافة الوسائل المتاحة لتأجيج الصراع الطائفي ولكن الأنجح فيها على الإطلاق كان النموذج اللبناني الذي بالفعل كان يعاني منذ سنوات طويلة من تفشي هذه الظاهرة الخطيرة والتي انتشرت بسرعة وعلى مدي طويل في جسم الدولة سواء على المستوى السياسي أو الشعبي حتي أصبحت كالسرطان الذي أصبح من الصعب القضاء عليه.
وفي نهاية مقالي أود أن أشير أنه كان هناك تجربة شبه مماثلة حدثت في مصر بعد ثورة يناير ٢٠١١ حاول فيها الجانب الأمريكي استخدم نفس النهج لإحداث شرخ في النسيج المصري من خلال استخدام بعض أحداث الفتنة الطائفية في صعيد مصر للضغط على الإدارة السياسية للرضوخ لمطالبها لكن باءت هذه المحاولات بالفشل الذريع لأن النسيج المصري لا يمكن اختراقه وهناك وعي وحس وطني من القيادات الدينية المسيحية والمسلمة وتوافق واحترام للإدارة السياسية وقفت بشدة أمام هذه المحاولات والتي هدفها الأساسي هو إحداث وقيعة بين أبناء الوطن الواحد لخدمة مصالح أجنبية خطأ لم ولن تقع فيه القيادات الدينية والشعب المصري.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق